كتب ألكسندر باروف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ارتدى الزي العسكري وزار نقاط قيادة على خطوط الحرب في أوكرانيا مرتين خلال الشهر الماضي، وبثّ المشهد عبر الشاشات ليبعث رسالة واضحة إلى واشنطن وكييف مفادها أن موسكو، رغم الحديث عن نقص الجنود ومكاسب ميدانية محدودة ومكلفة، راضية عن مجريات المعركة. يتقدّم الجنود الروس بينما تتراجع القوات الأوكرانية، وهذا الواقع الميداني، بحسب رؤية الكرملين، يجب أن يشكّل الأساس لأي نهاية تفاوضية للحرب.

 

في الحادي والعشرين من نوفمبر، ظهر النص الكامل لمسودة اتفاق سلام من ثمانية وعشرين بندًا بين روسيا وأوكرانيا، وأعلن بوتين في اجتماع لمجلس الأمن الروسي أنه تلقى هذا النص عبر قنوات الاتصال القائمة مع الإدارة الأميركية، وليس من خلال الصحف أو منصات التواصل كما حدث مع القادة الأوروبيين الذين تفاجؤوا بالتسريب. وأشار مضمون التسريب إلى تشابه واضح بين هذه المسودة والمطالب الروسية القديمة، إذ تضمّنت قيودًا على حجم الجيش الأوكراني وحظر انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو.

 

بين التشدد والمرونة السياسية

 

سارع كثيرون إلى وصف الخطة بأنها منحازة لمصلحة روسيا، وانتظر الجميع رد بوتين بترقب كبير. أقرّ الرجل بأن له دورًا في صياغتها، وإن كان ذلك جزئيًا فقط. وقال، في تصريحات بدت مُحضّرة مسبقًا، إن روسيا تلقت مقترحات أميركية قبل اجتماع ألاسكا مع طلب بإظهار قدر من المرونة، مضيفًا أن موسكو، رغم التعقيدات، توافق على هذه المقترحات ومستعدة لتقديم المرونة المطلوبة.

 

تفهم روسيا مفهوم المرونة، على الأرجح، بوصفه استعدادًا للتخلي عن مطالبها في أجزاء من منطقتي زاباروجيا وخيرسون التي تقول إنها من حقها لكنها لم تسيطر عليها بالكامل، إلى جانب سحب قواتها من مناطق أوكرانية لا تطالب بها رسميًا. وترى موسكو أيضًا في عدم اشتراط رفع فوري للعقوبات أو استقالة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي دليلًا إضافيًا على ما تعتبره تنازلات كافية من جانبها.

 

وأبلغ بوتين مجلس الأمن بأن شركاء روسيا في ما يُسمّى بالجنوب العالمي أبدوا دعمهم لهذه التفاهمات المحتملة. وفي روايته للأحداث، تراجع الزخم الأميركي بعد قمة ألاسكا نتيجة رفض أوكرانيا للخطة، بينما يشكّك مراقبون في هذا التفسير ويرجّحون أن السبب يعود إلى إخفاق دبلوماسي روسي. وخلال فترة الجمود هذه، ظهرت نسخة جديدة محدّثة من الاتفاق مكوّنة من ثمانية وعشرين بندًا، ويرى بوتين أنها لم تعد روسية ولا حتى نتيجة تفاهم أميركي روسي بعد ألاسكا، بل نسخة عدّلتها واشنطن بعد مشاورات مع الأوروبيين والأوكرانيين.

 

هذا الأمر يحمل دلالة مهمة، إذ يشير إلى أن المسودة المنشورة تراعي مطالب الطرف الآخر، ولا تمثّل استسلامًا أوكرانيًا تفرضه واشنطن لصالح روسيا. فقد التقى دونالد ترامب وأعضاء من فريقه، خلال الفترة بين قمة ألاسكا ونشر المسودة، بممثلين عن أوكرانيا والاتحاد الأوروبي مرات عديدة.

 

معركة المسودة والضغوط الدولية

 

عُرض نشر الوثيقة على أنه حدث غير مخطط له. في الثامن عشر من نوفمبر، كشفت منصة أكسيوس الأميركية عن وجود خطة سرية يجري تطويرها بين واشنطن وموسكو. وبعد يومين، نشر نائب أوكراني النسخة الأوكرانية منها، ثم نشرت أكسيوس النسخة الإنجليزية. وبعدها بيوم، وجّه زيلينسكي خطابًا حازمًا إلى الشعب الأوكراني، قال فيه إن البلاد قد تواجه قريبًا خيارًا بالغ الصعوبة بين فقدان الكرامة أو خسارة شريك أساسي، وبين القبول بثمانية وعشرين بندًا معقّدًا أو مواجهة شتاء قاسٍ مليء بالمخاطر.

 

عبّر قادة أوروبا عن دعمهم لزيلينسكي، بينما طالب ترامب بتوقيع الخطة قبل يوم الشكر في السابع والعشرين من نوفمبر. وعقب انتقادات غربية واسعة، حتى من بعض الجمهوريين، حاول وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو النأي بنفسه عن المسودة، واصفًا إياها بقائمة مطالب روسية، لكنه سرعان ما أوضح أنها تستند إلى مدخلات روسية وأخرى أوكرانية جارية وسابقة، ما زاد الشكوك بشأن خلفياتها الحقيقية ونوايا تسريبها.

 

أضعفت تناقضات ترامب المتكررة تأثير لهجته التهديدية، إلا أن القلق ظل يسيطر على أوكرانيا وحلفائها من احتمال خسارة الدعم الأميركي. وأعلنت الوفود الأميركية والأوكرانية، خلال عطلة نهاية الأسبوع، أنها أجرت محادثات بنّاءة في سويسرا لتحديث الخطة وتنقيحها.

 

خطوط أوروبا الحمراء وموقف موسكو

 

في الثالث والعشرين من نوفمبر، شددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على ثلاث نقاط رئيسية: لا يجوز تغيير الحدود بالقوة، ولا ينبغي فرض قيود على القوات الأوكرانية تجعلها عرضة لهجوم مستقبلي، كما يجب أن يحظى الاتحاد الأوروبي بدور محوري في أي تسوية. ورغم أن بروكسل لا تتوقع عمليًا عودة الحدود إلى ما كانت عليه عام 1991، فإنها ترفض تحويل الواقع المفروض بالقوة إلى اعتراف قانوني ملزم دوليًا.

 

قد يرحب بوتين بجهود ترامب ويقبل المسودة مبدئيًا، لكنه أكد في الوقت نفسه أنها ليست خطة روسية ولا هي الاتفاق الذي خرجت به قمة ألاسكا، بل نص جرى تعديله من دون مشاركة موسكو، ما يمنحها الحق في اعتباره غير كافٍ والمطالبة بالمزيد. كما أن نشره علنًا يجعل من الصعب على الكرملين القبول بأي تغيير يُظهِر روسيا بمظهر الضعيف.

 

وقال بوتين إن هذا التطور يخدم بلاده لأنه يقود إلى تحقيق أهداف «العملية العسكرية الخاصة» بالقوة، مستشهدًا بالسيطرة على مدينة كوبيانسك مؤخرًا، ومؤكدًا أن ما حدث هناك قد يتكرر في مناطق أخرى إذا رفضت كييف الحوار. وبذلك يطرح بوتين على أوكرانيا والغرب خيارًا قاسيًا: إما بلوغ أهداف الحرب بالقوة وحدها، أو مزج السلاح بالتفاوض لتقليل حجم الخسائر البشرية، بينما يواصل الزمن انحيازه البارد لمن يملك القدرة على الصبر الطويل.

 

https://carnegieendowment.org/russia-eurasia/politika/2025/11/russia-ukraine-new-peace-plan?lang=en